كثيراً ما تجف دموعنا بل وقد تمتزج الدموع بالدماء في بعض الأحيان، وهو أمر طبيعي نتيجة امتلاء الحياة بالعديد من الهموم والأحزان التي يتعرض لها الإنسان.
ولكن تختلف تلك الأحزان في شدتها ودرجتها، وعلى مدار الحياة الإنسانية وكثرة المواقف والخبرات التي يتعرض لها الفرد اكتشفنا أن أصعب ما يواجهه المرء من حزن وعناء وألم وشقاء هو وفاة الطرف الآخر سواء الزوج أو الزوجة، فعندما يتوفى الطرف الآخر يتغير العالم من حولنا، وندخل في حالة حداد تشعرنا بالحزن والأسى الشديد على فراقه.
فقد يشعر الفرد بالتخدر أو الصدمة وربما الخوف، أو الذنب لكونه الفرد الذي بقى على قيد الحياة وستستمر حياته وحيداً دون طرفه الآخر. فإذا كان الطرف الآخر قد مات في إحدى المستشفيات فيشعر الإنسان بالندم لأنه لم يرعاه في المنزل، وعند مرحلة معينة - بعيدا عن إدراك الفرد نتيجة الصدمة - يشعر بالغضب لأن نصفه الآخر ذهب وتركه بمفرده.
فكل هذه المشاعر طبيعية ولا توجد قواعد أو خطوط معينة توضح ما ينبغي أن يشعر به الإنسان في تلك الحالة، كذلك فلا توجد طريقة خاطئة أو صحيحة تبين لنا كيف نحزن.
فعندما تحزن قد تشعر بألم جسدي أو نفسي، وعند تعرض الأشخاص للمواقف المحزنة يمكنهم البكاء بسهولة أو الشعور بـ:-
- اضطرابات النوم.
- عدم الرغبة في الطعام.
- مشاكل في التركيز.
- صعوبة اتخاذ القرارات.
بالرغم من مقدار الحزن والأسى فقد تتحسن حالة بعض الأشخاص بعد فترة قليلة، الأمر الذي لم يتوقعوه، في حين تطول فترة الحزن لدى أناس آخرين.
مع مرور الوقت تشعر أنك مازلت مفتقداً طرفك الآخر بشدة، ولكن الأمر المتفق عليه لدى الجميع أن شدة الحزن تقل شيئاً فشيئاً. طبيعي أن يكون هناك أياماً جيدة وأخرى - وما أكثرها - سيئة، ولكنك ستشعر بالتحسن عندما تفوق الأيام الجيدة نظيرتها السيئة.
- ماذا يمكنك فعله الآن؟
في البداية قد تعتقد أن الاهتمام بأدق التفاصيل والانشغال الدائم يساعدك كثيراً، ولبعض الوقت يلتف حولك أفراد العائلة والأصدقاء للتخفيف من محنتك، ولكن هناك وقتاً ينبغي عليك مواجهة التغيير الواقع في حياتك.
فيما يلي بعض الأفكار لوضعها في الاعتبار:-
- الاهتمام بنفسك: فالحزن يؤذي كثيراً صحتك، ومن ثم فعليك محاولة تناول الطعام بشكل جيد وممارسة التمرينات الرياضية وأخذ قسط كافٍ من النوم، فالعادات السيئة كشرب الخمر أو التدخين يمكن أن تؤدي بك إلى المخاطر الصحية، لذا فعليك التأكد من تناولك للأدوية والعلاجات وفقاً لما قرره الطبيب مع الانتظام في الزيارات الطبية.
- التحدث إلى الأصدقاء: يمكنك التحدث مع أصدقائك أو أفراد عائلتك المقربين عن الطرف الآخر، وعليهم السماح لك بسرد ما تضفيه عليك مشاعرك.
- الالتحاق بجماعة الدعم النفسي: في بعض الأحيان يصبح من المفيد التحدث إلى من واجهوا نفس المأساة ويشعرون بنفس الحزن والألم، ويمكنك العثور عليهم في المستشفيات أو الجماعات الدينية مثلا.
- الحرص على عدم إحداث تغيير جذري على الفور: إنها فكرة جيدة.. الانتظار لفترة من الوقت قبل اتخاذ قرار سريع كالانتقال أو تغيير الوظيفة.
- رؤية الطبيب: إذا واجهت صعوبة في ممارسة أنشطتك اليومية، كارتداء الملابس أو إعداد الطعام، فعليك فوراً التحدث إلى الطبيب.
- لا تفكر في مواجهة الحزن بمفردك: فالعلاج النفسي قصير المدى يمكنه أن يفيد في بعض الحالات.
- تذكر أن أطفالك يحزنون أيضاً: قد تكتشف أن علاقتك مع أطفالك تغيرت بعض الشيء، بل إنه أمر طبيعي حيث إن أفراد العائلة جميعهم بحاجة إلى بعض الوقت للتكيف مع أمر الوفاة.
- تذكر.. أن الحزن يأخذ وقتاً طويلا.. فلا تتعجل التشافي واسمح لنفسك وعواطفك بالحزن حتى لا تصاب بانتكاسة بعد ذلك.
- هل يحزن الرجل والمرأة بنفس الطريقة؟
هناك بعض الرجال ممن ينتابهم حالة نوم عميقة طوال اليوم بعد وفاة زوجاتهم، والسهر طوال الليل أمام التلفاز والطعام يصبح عبارة عن مقرمشات فقط مع علمهم أن هذا ليس صحياً.
وعلى الناحية الأخرى يوجد من النساء من تستيقظ على حالة ذعر بعد وفاة زوجها، وتشعر بالوحدة كثيرا بعدما كانت ترعاه لفترات طويلة أثناء مرضه.
فالرجال والنساء يتشاركون العديد من نفس الأحاسيس عند وفاة الطرف الآخر، فكلاهما يشعر بالحزن نتيجة الفقدان ويقلق بشأن المستقبل.
ولكن هذا لا يعني أن هناك بعض الاختلافات، حيث إنه أثناء الزواج كان هناك شخص يقوم بدفع الفواتير وتنظيف المنزل وصيانة السيارة، والطرف الآخر يعمل على طهي الطعام وسداد الديون.
فتقسيم الوظائف يعمل بشكل جيد حتى أن يحدث قدر الله ويبقى شخص واحد فقط بمفرده، الذي ينبغي عليه القيام بكل شيء. فبعض الرجال يصابون بالحيرة إذا أتى الأمر إلى القيام بالأعمال المنزلية، ولكن تلك المهام يمكن تعلمها واكتسابها مع الوقت.
والبعض الأخر منهم يندهشون كثيرا عند وفاة زوجاتهم، ويزداد الأمر سوءاً إذا كان الرجل أرملاً ومتقاعداً حيث يشعر بالاكتئاب والوحدة. فإذا كنت أنت أو أحد أفراد العائلة يعاني من تلك المشكلة، فينبغي مراجعة الطبيب فوراً لأن العلاج يفيد إلى درجة كبيرة.
بالنسبة للمرأة فإن مواجهة المستقبل دون زوج يمكن أن يكون أمراً مخيفاً، لأن المرأة لم تتعود على العيش بمفردها ومن ثم فهي تصبح قلقة بشأن الأموال ودفع الفواتير ورعاية الأطفال.
قد تشعر المرأة أيضا بعدم الأمان، لذا فمن الضروري التأكد من غلق الأبواب جيدا والنوافذ، وإذا كانت بحاجة إلى المساعدة فعليها الاستعانة بالأصدقاء أو العائلة.
كذلك فهي بحاجة إلى الاعتياد على نظافة المنزل ورعاية السيارة، وفي حين يستغرق الأمر وقتاً طويلاً إلا أنه يمكن القيام به.
- تحمل مسئولية الحياة:-
بعد سنوات من الزواج يصبح الأمر مزعجاً أن تكون وحيداً، فبعض الأشخاص يعتقدون أن القيام بالعديد من الأشياء كل يوم يفيد للغاية، لذا فعليك تدوين خططك الأسبوعية، وقد يمكنك:
- المشي لبعض الوقت مع صديق.
- الذهاب إلى المكتبة من أجل القراءة والمعرفة.
- التطوع في إحدى المدارس الحكومية.
- الانضمام إلى بعض الجمعيات الأهلية.
- الاشتراك في دورة تدريبية في أحد المجالات.
- مقابلة الأصدقاء القدامى.
- التفكير في العمل لنصف الوقت.
- الاشتراك في أحد النوادي الاجتماعية.
- الذهاب إلى صالة البولينج أو الانضمام إلى جماعات الخياطة والتطريز.
- الاقتراح برعاية أحفادك أو أطفال الجيران.
- التفكير في تربية أحد الحيوانات الأليفة.
يفقد بعض الأرامل الرغبة في الطبخ أو الطهي، ولكن تناول الطعام مع الأصدقاء في بعض المطاعم يساعد إلى حد ما. وفي بعض الأحيان يصبح الأمر مؤلماً عند تناول الطعام بمفردك في المنزل، لذا يمكن تشغيل الراديو أو التلفاز وقت الطعام.
ومن أجل الحصول على معلومات حول التغذية السليمة وكيفية الطهي لشخص واحد فقط، يمكن البحث عن الكتب المفيدة والمعنية بذلك الأمر في المكتبات المحلية أو على الإنترنت.
- هل هناك المزيد من أجل القيام به؟
عندما تشعر بالقوة، قد ترغب في:-
- كتابة وصية جديدة.
- البحث عن محامٍ لتولي مهام المسائل القانونية، أو طلب إقامة بعض الممرضات معك لعدم قدرتك على الرعاية الطبية بمفردك.
- نقل ملكية بعض الممتلكات كالمنزل أو السيارة باسمك.
- التحقق من بطاقة التأمين على الحياة.
- دفع كل ما عليك من ضرائب حكومية.
عندما تكون مستعداً، يمكنك التخلص من ملابس زوجك أو زوجتك أو الممتلكات الأخرى، قد يكون الأمر صعبا لذا فلا تقوم بالتخلص منهم مرة واحدة.
يمكنك عمل 3 مجموعات؛ واحدة للاحتفاظ بها والثانية للتخلص منها والثالثة إلى أحد الأقارب أو الأبناء أو الأحفاد كتذكار.
- ماذا عن الذهاب خارجاً؟
إن التغيرات الواقعة في حياتك الاجتماعية ستكون صعبة للغاية، وقد يكون الأمر مخيفاً عند التفكير في الذهاب إلى الحفلات والعودة إلى المنزل بمفردك، ويصبح الأمر أكثر صعوبة عند التفكير في العلاقات الحميمية، حيث إن بعض الناس يفتقدون الشعور بالمودة والقرب الذي يجلبهما الزواج.
فيما يلي بعض الأشياء للتذكرة:-
- فكر في الأمر بشكل أكثر هدوءاً، فهو يحدث لدى العديد من الأشخاص.
- الحزن والألم من الأشياء الطبيعية، فلا تحاول إخفاءهم.
- حاول ممارسة الأنشطة الجماعية، وبالنسبة للأصدقاء المتزوجين فيفضل الخروج للمشي أو الذهاب للسنيما بدلا من المواقف العائلية التي تذكرك بالماضي.
- البحث عن هواية تحبها، فقد تقضى وقتاً مرحاً وتصادف أشخاصاً يشاركونك نفس اهتماماتك.
- تذكر أن الصداقة يمكن أن تأتي في العديد من الأشكال.
لا تنسَ..
الاعتناء بنفسك، الحصول على مساعدة الأصدقاء والعائلة أو المهنيين، أن تكون مستعداً للتجارب الجديدة، لا تشعر بالذنب عند الضحك على مزحة أو الاستمتاع بزيارة أحد الأصدقاء، وأخيراً.. اعلم أنك في محاولة للتكيف على الحياة دون الطرف الآخر.